الجدال المستمر حول مقترح بناء مسجد بالقرب من "جراوند زيرو" (موقع برجي مركز التجارة العالمي اللذين هدما في هجمات الحادي عشر من سبتمبر) في مانهاتن بنيويورك، يستأثر باهتمام عدد متزايد من الأميركيين، الذي بدؤوا يسمعون اليوم خطاباً تعصبياً أكثر خطورة وخزياً من أي شيء تم السماح به في حوارنا الوطني منذ عقود. وحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "راسموسن" مؤخراً، ونُشرت نتائجه يوم الاثنين، فإن 85 في المئة من ناخبي البلاد يقولون إنهم يتابعون أخبارا حول الجدال، وهي زيادة بـ 35 في المئة مقارنة مع مستوى الاهتمام الذي وجده استطلاع الرأي الشهر الماضي. كما يقول 6 من أصل 10 ناخبين إنهم "يتابعون الموضوع جيدا". ربما تكون لهذا الأمر علاقة – ولو جزئيا – بالموسم: ذلك أن أغسطس معروف بأنه شهر بطيء بالنسبة للأخبار؛ وفي غياب كارثة طبيعية أو شقراء مفقودة تشغل الناس جعلت الشبكاتُ التلفزيونية والمعلقون الذين يغذون الدورة الإخبارية المتواصلة على مدى 24 ساعة من المقترح المتعلق ببناء مركز إسلامي ومسجد الموضوعَ الرئيسي لجدلهم الساخن. ومع ذلك، وحتى إذا أخذنا التوقيت بعين الاعتبار، فمن الواضح أن هذا الجدال قد استغل مزاجاً شعبياً مرتاباً وقلقاً بخصوص الأميركيين المسلمين ومعتقداتهم – وهو أمر يبعث على القلق. التاريخ يُخبرنا بأن الأمر يتعلق بمنطقة خطيرة؛ ورغبة البعض في استغلاله هو واحد من أكثر الجوانب إثارة للأسف في هذه القضية. فهذا المرشح الرئاسي "الجمهوري" نيوت جينجريتش، على سبيل المثال، يشبّه الأشخاص الذين يؤيدون بناء المسجد بالنازيين، "الذي ليس لديهم الحق في نصب لوحة أو لافتة بالقرب من متحف الهولوكوست في واشنطن". ويلح عضو في اللجنة الوطنية للحزب "الجمهوري" من ولاية آيوا على أن الرئيس أوباما مسلم (ولو كان الأمر كذلك، فلماذا كل الضجة التي أثيرت حول علاقة أوباما بالقس جريميا رايت؟). هذا بينما يقول رجل الدين المسيحي فرانكلن جراهام لشبكة "سي. إن. إن" التلفزيونية إن الرئيس يحمل "بذرة الإسلام" – أيا يكن ذلك. إن أحد أكثر الأشياء إثارة للقلق هو السرعة التي تحوَّل بها هذا الجدال من معارضةٍ مبدأية (مؤيدو المركز لديهم حق دستوري وقانوني في بناء مركز في الموضع، ولكن ذلك سيشكل "خدشا" لمشاعر البعض) إلى اعتراض شامل على الإسلام في أميركا. والواقع أن مثل هذا الانزلاق كان أمراً متوقعاً تماماً، لأنك حالما تنسب المسؤوليةَ الجماعية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر إلى المسلمين، فإن التعبيرات المعمَّمة عن التعصب تصبح مشروعة ومباحة. وهكذا، نظمنا وننظم حملات معارِضة لبناء المساجد في أماكن بعيدة جداً عن "جراوند زيرو" مثل ولايات ويسكنسن وتينيسي وكنتاكي. وفي مدينة سانتا كلارا (ولاية كاليفورنيا)، تعترض إحدى المنظمات على بناء مسجد لمئذنة، في حين يجادل القس بيل رنتش بأنه يجب ألا يسمح لجيرانه المسلمين ببناء مسجد على موقع مجاور لكنيسته. غير أنه من بين كل التفاهات التي نسمعها هنا وهناك، يمكن القول إن لا شيء يتفوق على مقال نشر مؤخراً في موقع "ناشيونال ريفيو أونلاين" المحافظ على الإنترنت، مقال جادلت فيه "نينا شي"، زميلة معهد هادسون، بأن المسجد أثار "نقاشاً ساخناً" حول "حدود" الحرية الدينية "في عصر إرهاب الإسلاميين". وتدعي "شي" بأن الحكومة الفيدرالية لديها الحق في "الدفاع عن نفسها"، ضد الأشخاص الذين "يروجون للأفكار الراديكالية في سياق الإسلام ". ولهذا الغرض، فإن "إغلاق مؤسسة دينية معينة – أو منع إنشائها – لا يشكل منعا لدين بأكمله... فالأمر يعتمد كله على الغاية التي يستعمل من أجلها المبنى... وتأثير العظات والخطب التي تُلقى فيه". ولنوضح هذا الأمر جيداً: إن الحكومة سوف تتدخل في مسألة تقييم الأشياء التي سيتم تعليمها في دور العبادة قبل منح رخصة البناء؟ وعندما يُبنى مسجد أو كنيسة أو كنيس، فإن العملاء الحكوميين سيدخلون ويراقبون الوعظ الديني، وإذا رأوا أن فيه تهديداً لمفهوم الأمن لدى شخص ما، يقومون بإغلاق المكان؟ (الدخان المنبعث من مثل هذا الحدث سيصدر عن خراب التعديل الدستوري الأول". ولكن، لماذا نقتصر على المساجد فقط؟ ففي مدينة جينزفيل، بولاية فلوريدا، تريد إحدى الكنائس هناك إحراق مئات النسخ من القرآن الكريم. ولما كان بعضنا يعتبر إحراق الكتب تهديدا للدستور، فلنقم بإغلاق هذه الكنيسة. وفي مدينة بينسكولا بولاية فلوريدا، يُعلم القس المعمداني "تشاك بالدوين" رعيته أن أبراهام لينكولن (الرئيس الأميركي السادس عشر الذي أنقذ الاتحاد خلال الحرب الأهلية الأميركية وحرر العبيد) كان طاغية، وأن "الإبطال" (رفض ولاية أميركية الاعتراف بقانون فيدرالي أو تطبيقه داخل حدودها) و"الانشقاق" (عن الاتحاد) مفهومان صالحان، وأننا نحتاج لثورة ثانية. هذه هي الأفكار التي أدت إلى خيانة الولايات الجنوبية المنشقة عن الاتحاد، وإلى الحرب الأهلية الأميركية. فلنغلق كنيسته إذن. (ولكننا لن نقوم بذلك لأنه إذا كان التعديل الدستوري الأول يعني أي شيء، فهو أن بعض الناس لديهم الحق في التفوه بالحماقات والبلاهات وأن للآخرين الحق في الاستماع – أو لا ). إننا في حاجة لأن نتوقف، ونأخذ نفساً عميقاً بشكل جماعي، ونبتعد عن الحافة، لأن الهاوية في الطرف الآخر مظلمة وعميقة وسحيقة! تيم روتن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"